كتب جيسون بيرك في الجارديان أن الحرب في غزة قلبت خريطة الشرق الأوسط رأسًا على عقب، وغيّرت مفاهيم سياسية ظلّت راسخة لعقود، وأعادت تشكيل الرأي العام الإقليمي. يرى بيرك أن أي سلام دائم محتمل سيترك بدوره آثارًا سياسية لا تقل عمقًا عن آثار الحرب ذاتها.
أشار تقرير الجارديان إلى أن بعض المراقبين يدعون إلى التروي في قراءة التحولات، إذ قال مخيمر أبو سعدة، أستاذ العلوم السياسية في جامعة الأزهر بغزة والمقيم حاليًا في القاهرة، إن "الدمار الهائل وسفك الدماء الواسع سيجعلان أي تحرك إيجابي بطيئًا ومعقدًا، خاصة بعد الانتهاكات المتكررة للهدنة بين إسرائيل وحماس خلال الأيام الأخيرة".
لكن طريقة انتهاء الحرب بدأت بالفعل تؤثر على توازنات المنطقة السياسية. فقد دفعت الجهود المبكرة لمواجهة خطة "الريفييرا" التي طرحها دونالد ترامب لغزة إلى تقارب غير مسبوق بين القوى الإقليمية، بينما يسرّع تنفيذ خطة ترامب الجديدة ذات النقاط العشرين وتيرة التعاون بين خصوم الأمس الذين وجدوا أنفسهم مضطرين للتنسيق الوثيق تحت ضغط دولي كبير بعد سنوات من التنافس الحاد.
اعتمد الاتفاق على المرحلة الأولى من الخطة على الضغط الأمريكي على إسرائيل، إلى جانب وساطة قطر وتركيا، اللتين مارستا تأثيرًا مباشرًا على حماس. نالت الدوحة رضا ترامب، لكن المفاجأة كانت إشادته بالرئيس التركي رجب طيب أردوغان خلال قمة شرم الشيخ الأخيرة، واصفًا إياه بـ"الصديق القوي"، رغم الخلافات السابقة بينهما، وهو توصيف لا يشاركه فيه رئيس الانقلاب المصري عبد الفتاح السيسي، الذي استضاف القمة بالاشتراك مع ترامب.
تغيّر المزاج الإقليمي بدا واضحًا خلال القمة؛ فتركيا ومصر وربما الأردن أصبحت أبرز المرشحين لإرسال قوات ضمن قوة الاستقرار الدولية الجديدة في غزة. هذه الخطوة قد تمنح هذه الدول نفوذًا سياسيًا جديدًا، لكنها تحمل أيضًا مخاطر كبيرة في ظل هشاشة الوضع الأمني، ما يدفعها لمحاولة تقليل الاحتكاك في المدى القريب.
لاحَظ المراقبون أيضًا إشارات أخرى من القمة توحي بتحولات أوسع. فقد حضر محمد شياع السوداني، رئيس وزراء العراق، الذي يواجه انتخابات صعبة خلال أسابيع، القمة والتقط صورة “إبهام مرفوع” مع ترامب، وامتدح توني بلير الذي اختاره ترامب لقيادة “مجلس السلام”، وهو كيان إداري جديد من التكنوقراط الفلسطينيين لتسيير شؤون غزة في إطار الخطة الأمريكية.
يشير المحلل مايكل نايتس، رئيس الأبحاث في مؤسسة Horizon Engage، إلى أن العراق بدأ يتحرك تدريجيًا نحو محور عربي جديد بعد سنوات من الانغماس في النفوذ الإيراني، حتى إن بغداد تفكر في المشاركة بقوات ضمن القوة الدولية المزمع تشكيلها لغزة.
هذا التحول سيُغضب طهران، التي تواجه واقعًا صعبًا بعد عامين من الصراع؛ إذ كشفت الحرب القصيرة مع إسرائيل عن نقاط ضعف عسكرية خطيرة، بينما أعادت الولايات المتحدة وأوروبا فرض عقوبات واسعة أضعفت الاقتصاد الإيراني وأضرّت ببرنامجها النووي المكلف.
يعتقد نايتس أن "الهدنة يمكن أن تكون محركًا جديدًا للتكامل الإقليمي، إذ تعيد فتح النقاش حول خطوط الربط البري الكبرى من الخليج إلى المتوسط، إلى جانب استئناف المحادثات حول التطبيع الاقتصادي والدبلوماسي مع إسرائيل".
يدرك قادة الشرق الأوسط أن الغضب الشعبي ما زال مشتعلاً بعد حرب أوقعت أكثر من 68 ألف قتيل في غزة جراء الهجوم الإسرائيلي، لكنهم يعلمون أيضًا أن وقف القتال أعاد إحياء فكرة توسيع اتفاقات أبراهام التي وقّعتها أربع دول عربية قبل خمس سنوات.
يقول أبو سعدة إن ترامب "يتحدث عن صفقة تتجاوز غزة نحو تطبيع أوسع مع إسرائيل، ربما يشمل السعودية وإندونيسيا ودولًا أخرى"، معتبرًا أن هذا السيناريو “قد يصبح واقعًا قريبًا رغم الجراح المفتوحة التي تركتها الحرب".
https://www.theguardian.com/world/2025/oct/19/war-in-gaza-caused-big-political-shifts-and-more-are-likely-on-the-road-to-peace